تعاون روسيا مع دولة أوروبية في مفاعلين نوويين.. خبراء: المصالح أولًا
تعاون روسيا مع دولة أوروبية في مفاعلين نوويين.. خبراء: المصالح أولًا
المصلحة الشخصية دائمًا هي الصخرة التي تتحطم عليها أقوى المبادئ والاتفاقات، خاصة إذا ما تعلقت بمصائر ومستقبل شعوب ودول، ولذا لا غرابة في تسلل بعض دول أوروبا غير المرفهة أو ذائعة الصيت في التطور العلمي أو غنية الموارد الطبيعية مثل هنغاريا والتي أعلنت حكومتها إنشاء موقع لبناء مفاعلين نوويين جديدين سيبدأ "في الأسابيع المقبلة"، بالتعاون مع مجموعة "روساتوم" الروسية العملاقة.
فرغم ما يفرضه الاتحاد الأوروبي على روسيا من عقوبات، فإن مثل هذه الاتفاقات ممكنة الحدوث، تحت وطأة أزمة الطاقة التي تواجهها أوروبا، ومع قدوم فصل الشتاء.
كذلك يعكس هذا المشروع المثير للجدل العلاقات التي أقامها على مر السنين رئيس الوزراء الهنغاري القومي، فيكتور أوربان، مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ولم تغير الحرب في أوكرانيا موقف هنغاريا من هذه القضية خلافا لرغبة شركائها في الاتحاد الأوروبي في التحرر من موسكو.
ورحب وزير الخارجية الهنغاري، بيتر سيارتو، بالموافقة التي صدرت عن السلطة التنظيمية الوطنية في هنغاريا، وقال في تسجيل فيديو نُشر على حسابه بموقع "فيسبوك": "إنها خطوة كبيرة"، وفق "فرانس برس".
وأضاف: "يمكننا الآن الانتقال من المرحلة الأولية إلى مرحلة البناء، ستشهدونها في الأسابيع المقبلة في موقع باكس"، مشيرا إلى أنه يتوقع أن يبدأ تشغيل المفاعلين بحلول 2030.
ويمنح الاتفاق الموقع في يناير 2014 "روساتوم" امتياز بناء مفاعلين يسميان ""باكس 2" في موقع محطة الطاقة النووية الهنغارية الوحيدة، على بعد ساعة بالسيارة عن بودابست.
ويتم تمويل هذا المشروع الذي تبلغ قيمته نحو 12,5 مليار دولار بنسبة تصل إلى 80 بالمئة بقرض من روسيا إلى هنغاريا، التي ستتكفل بالـ2,5 مليار دولار المتبقية.. وستكمل الوحدات الجديدة التي تبلغ قدرة كل منها 1,2 غيغاوات المفاعلات الأربعة الحالية، التي بنيت في الثمانينيات وتؤمن نحو نصف إنتاج الكهرباء.. وقال سيارتو: "بهذه الطريقة يمكننا ضمان أمن إمدادات الطاقة في هنغاريا على الأمد الطويل وحماية الشعب المجري من التقلبات الشديدة في أسعار الطاقة".
وتنتقد هنغاريا سياسة العقوبات التي يتبعها الاتحاد الأوروبي، وكثفت أخيرا تعاونها مع موسكو في مجال الغاز، عبر التفاوض على تسليم شحنات أكبر ما كان مقررا في الاتفاقات التجارية السابقة.
حاورت «جسور بوست» خبراء لتحليل الوضع الراهن وما يدل عليه وأبعاده.
تأمين روسيا
قال أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر ورئيس وحدة الأبحاث العلمية بالمركز الدولي للاستشارات الاقتصادية، صلاح الدين فهمي: "إن العالم يعيش أجواء سياسية تشابه فترة الستينيات، حينما كان هناك قطبان أحدهما يمثل الاتحاد السوفيتي، وآخر وهو حلف الأطلسي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وما أعقبها من حرب باردة انتهت بقانون المصلحة الذاتية لشعبه، فبدأت الولايات المتحدة تظهر نوايا اقتصادية للتعاون مع الاتحاد السوفيتي وبدأ الاتحاد يعود إلى روسيا فقط، وهذا التفكك لم تظهر آثاره إلا في دفع أوكرانيا إلى الحرب، بعد ما أبدته من رغبة انضمامها إلى حلف الناتو وأمريكا، وما تفعله روسيا كي تؤمن نفسها استشرافًا للمستقبل إذا ما أرادت دولة ما الانضمام إلى الحلف الأطلسي تحت أي دعوى كالتنمية والتقدم أو غيرها".
وتابع أستاذ الاقتصاد: ما تقدمه لهذه الدول من مساعدة سياسية وغيره لهذا السبب، فالغرض هو تأمين روسيا، هذه المشروعات تعتبر رائدة ومغزاها أمني سياسي، فليس حماية أو تطوير وتقدم لهذه الدول بقدر ما هو حماية للاتحاد السوفيتي القديم، فتكون بمثابة العصا التي تخيف بها أي دولة تقترب من روسيا الحالية".
المصالح أولًا
قال الخبير الاقتصادي ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، رشاد عبده: "إن الفلسفة المكيافيلية هي الورقة الرابحة التي يتعامل بها قادة الدول في تلك المرحلة، على سبيل المثال يزور ماكرون الجزائر لنيل حصص من الغاز رغم الخلافات التاريخية بينهما، ولهذا قال الرئيس البلغاري تعقيبًا على العقوبات الأوروبية المفروضة على روسيا: الأمر أشبه بمن يوجه فوهة مسدس إلى رأسه، تعاقبون أنفسكم أولًا، فجميع أوروبا يعاني الآن أزمة طاقة ما تسبب في إيقاف ألمانيا لمشروعاتها النووية، ولذا اتجهت الدول إلى التفكير في مصالحها الذاتية بعيدة عن الاتحاد الأوروبي".
وتابع أستاذ الاقتصاد: "هناك أزمة تواجهها أوروبا بخصوص الطاقة خاصة مع اقتراب فصل الشتاء والتي من الممكن أن تقوم بسببها ثورة شعبية، وما اتخذه الاتحاد الأوروبي من إجراءات لتخفيض تلك الطاقة وعودتها مرة أخرى لاستخدامها الفحم كبديل، ولهذا لجأت إليها الدول ومنها هنغاريا لإنقاذ نفسها حيث إنها لا تمتلك من الرفاهية المادية ما تمتلكه الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي، فلا يمكن تفسير تلك الاتفاقية إلا لضمان استمرار وجود طاقة في المجتمع تسمح بإحداث التنمية وبعدم توقف المصانع".
وعن وسائل أمان الطاقة النووية، قال: "إن هناك وسائل أمان عالية ومتقدمة، حيث توفر الأمان وبشكل عالٍ بدليل أنه ليس هناك حوادث تخص هذا النوع من الطاقة".